لإخوة والأخوات،
(( تـتصيَّدك شركات التبغ صغيراً، حطِّم
شركات الترويج للتبغ )). بهذه الرسالة تحتفل منظمة الصحة العالمية باليوم
العالمي للامتناع عن التدخين لهذا العام. ومن المعلوم تماماً أن التدخين
من المنتجات المميتة التي تفتك بنصف من يتعاطاه، ومع ذلك تواصل صناعة
التبغ أنشطتها في تسويقه والتـرويج لمختلف طرق تعاطيه، وهي تسعى أولاً
لاجتذاب الشباب، ذلك الوقود الذي يؤجّج من أرباحهم ويعزز من أسواقهم.
لقد أصبح الشباب هدفاً استـراتيجياً لصناعة التبغ، رغم ما تنفيه عن تورطها
في ذلك، ورغم مساهمتها في حملات وقاية الشباب متذرعة بالمسؤولية
الاجتماعية المشتـركة، فقد أظهر الكثير من وثائق صناعة التبغ أن شركات
التبغ تعتبر الشباب السوق الرئيسي الذي يضمن لها البقاء والاستمرار، فهم
الزبائن الذين يواصلون التعامل معها بانتظام طيلة حياتهم. أجل! فصغار
اليوم هم الضحايا الذين سيواصلون التعامل مع هذه الشركات طيلة حياتهم. وقد
درست صناعة التبغ سلوك الشباب إزاء التدخين دراسة مفصَّلة، وهي تستفيد من
نتائجها لتطوير وتسويق منتجاتها؛ وقد ورد في التقارير التي تصدر عن صناعة
التبغ: (( إن صغار المدخنين هم المصدر الوحيد لتعويض المدخنين، فإذا
انصرفوا عن التدخيـن ستضمحـل هـذه الصناعـة وتـتلاشـى، كمـا يـتضاءل
أعـداد السكـان الذيـن لا ينجبون حتى يتلاشى كل أثر لهم في نهاية المطاف
)).
وإدراكاً منا للأساليب الملتوية لصناعة التدخين، فإن مما يسعدني أن أعلن
أن منظمة الصحة العالمية قد جمعت كل ما يتعلق بأنشطة صناعة التدخين في
إقليمنا من تساؤلات في مُنْتَج واحد سهل المنال ومتوافر باللغة
الإنكليزية، وسيكون متاحاً باللغة العربية خلال أيام معدودة.
لقد كانت منظمة الصحة العالمية ولاتـزال ملتـزمة بالإقلال من عدد ضحايا
التدخين، وهي تسعى إلى ذلك على جميع المستويات الممكنة؛ الإقليمية
والدولية والوطنية؛ وتُعَدْ الشراكات في هذا السياق من الرسائل الأساسية،
شأنها شأن إشراك الشباب مباشرةً في الأنشطة والحملات، فكلاهما من الآليات
الرئيسية للتغلُّب على التحدِّيات ولحمل الرسالة إلى الأجيال القادمة.
لقد أصبح من الثابت أن الشباب على وعي تام بجسامة المشكلة، وأنهم يرغبون
بالإقلاع عن هذه العادة، فقد دلَّت نتائج المسح العالمي للتدخين لدى
الشباب أن ثلثي المدخنين منهم يودون الإقلاع عنه، وأن أكثر من ثمانين
بالمئة منهم يؤيدون الأماكن الخالية من التبغ؛ ونحن في اليوم العالمي
للامتناع عن التدخين سنتواصل معهم ونمد لهم يد المساعدة للمشاركة في وضع
حدٍ لهذا السلوك القاتل.
ولكنـنا نتساءل؛ هل نقدِّم المساعدة الكافية للشباب؟ إن المسح العالمي
للتدخين لدى الشباب يخبرنا أن ثمانية وثلاثين وثلاثة أعشار بالمئة
معرَّضون لتعاطي التبغ وللدخان المنبعث في بيوتهم، وأن المجتمعات لا تمتثل
امتثالاً كافياً للتشريعات النافذة المفعول فيها، كما توضح التقارير
الواردة من البلدان التي يحظر فيها التدخين في الأماكن العامة أن خمسة
وأربعين وسبعة أعشار بالمئة من الناس معرَّضون للدخان المنبعث في الأماكن
العامة، ونحن نعلم أن المسح العالمي للتدخين لدى الشباب يركِّز على الشبان
بأعمار تـتـراوح بين ثلاثة عشرة وخمسة عشرة عاماً، مما يثير التساؤل حول
المجموعات العمرية الأخرى، وأنماط المحفزات التي يتعرَّضون لها عند الحديث
عن القبول الاجتماعي لتعاطي التبغ.
وانطلاقاً من أهمية الشباب، فإن جميع الاستـراتيجيات المعمول بها لدى
منظمة الصحة العالمية تستهدف إنقاص استهلاك التبغ في المرحلة الحرجة من
العمر وهي مرحلة المراهقة. وقد طلبت الاتفاقية الإطارية لمكافحة التبغ،
وتقارير المنظمة الخاصة بالرصد، والحماية، والمساعدة، والتحذير، وإذكاء
الوعي بأخطار التبغ وحظر الإعلان عنه، طلبت من الحكومات رفع أسعار منتجات
التبغ لتكون صعبة المنال على المراهقين، وحظر الإعلان عنها، وحظر جميع
أشكال التـرويج لها، والإقلال من المحفّزات، فحظر تعاطي التبغ في الأماكن
العامة حظراً تاماً يؤدي إلى خفض الأخطار الصحية، وتقليص مبيعات التبغ
للقُصَّر للحد من إتاحتها لهم، وتوفير خدمات الإقلاع عن التبغ بالمساعدة
الطبية وتقديم المشورة لمن يرغب بذلك بسهولة وبتكلفة مقبولة.
إن جميع ما ذكرناه إجراءات ناجعة لخفض استهلاك التدخين وتغيـير قبول
المجتمع له؛ وأَوَدُّ أن أؤكِّد ثانية على ضرورة تنفيذ هذه الإجراءات في
إقليمنا.
الإخوة والأخوات،
إنـنا نُعَوِّل على ما نلقاه من دعم منكم في مكافحة وباء التبغ، ونعتمد
على الشبكة الناجحة المتوافرة الآن في جميع بلدان الإقليم لإنجاح جهود
مكافحة التبغ، كما نجحت في الأقاليم الأخرى. ونحن الآن نَلْمَح تباشير
التغيـير، فثـَمَّة تغيـيرات إيجابية على الجبهة السياسية في بعض البلدان،
وإننا نتطلع إلى إحراز المزيد من التقدُّم على صعيد السكان أيضاً.
وفي ختام رسالتي هذه، أتمنَّى لكم احتفالاً بهيجاً باليوم العالمي
للامتناع عن التدخين، فلنمعن النظر في مَوَاطِن الإخفاق لنحوِّلها إلى
مَوَاطِن نجاح، ولنحتفي بمكامن نجاحنا، حتى تكون هذه المناسبة يوماً
يتجاوز كل الأيام؛ ويستمر طيلة الحياة حتى نصل إلى عالم بلا تدخين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركات